Marquez

10 Episodes
Subscribe

By: Mezouar Mohammed Said

I hear the voices of arms around us, but different from human voice. Even in the heart of the battle and between fires, we can hear a few words, because it reflects the honesty and truth (justice). © Mezouar Mohammed Said

ماركيز 39
03/10/2022

جليٌّ أمام عيون الأستاذ ماركيز تلك الصورة التي تشرحُ نفاق رجال الدين عند استعمال تعاليم الديانات لأغراضهم الخاصة، متحججين بقداسة المقدسات لدى المؤمنين، فينفذون مِن زاوية الإيمان ليستغلوا الإنسان أبشع استغلال، لكنَّ الأستاذ ماركيز ما لبث حتى اكتشف بأنَّ استعمال الدين لقضاء الكثير من الحوائج الوسخة لدى بعض المنافقين لا يختلف أبدا عند الفئة المقابلة، إذ هناكَ مَن يستغلُّ الإنسانية كشعار أو عنوان مِن أجل تمرير ما يرشح عن نفسه مِن مساوئ فيسوِّقها للبسطاء على أنَّها مِن القضايا الإنسانية الهامة، لتتساوى الإنسانية بالديانات في الاستعمال السيّء عند استغلال بعض الأغبياء لهاتيْن الأداتيْن لأجل بلوغ ما لم يبلغوه بالأخلاق والفحولة.

لطالما سوَّقت لنا المنظومة الغربية الإنسانية (l'humanité) على أنَّها القضية الأساسية لبناء الجيوش وتسليحها بالعتاد، وغالبا ما شاهد ماركيز القوات الأميركية وهي تنقذ هذا أو ذاك مضحية بحيوات أفراد جيشها العتيد أحيانا، طبعا شاهده على الشاشات المختلفة، لأنَّ هوليود – أكبر مصنع للخرافات في التاريخ – هي التي عملت خلال عقود مِن الزمن على تعريف الإنسان المعاصر بالإنسانية الغربية، هذه الإنسانية التي نشاهدها اليوم هي تستيقظ نصرة لأبناء السلافيين الذين يُقتلون على أيادي أبناء أحفادهم السلافيين أيضا، بينما كلُّنا يعلم بأنَّ هذه الإنسانية ذاتها لطالما كانت عمياء/صماء/خرساء إن ما تعلَّق الأمر بالأجناس الأخرى.

لكن وفي المقابل: نجد احدى بنات هوليود عينها تنفض الغبار عن هذا الغرب العجوز المنافق، لتخطَّ رسما خارج المألوف، ذلك الذي يتَّصل بالإنسانية بشكلها الصافي والتي هي تتخذ من النقاء مرجعية ومقصدا، إنَّها الممثلة أنجلينا جولي، فبينما كان العالَم ينافق المنظومة الأوربية باكيـــا على ما يحدث في شرق أوربا، كانت هذه المرأة تلتفت إلى معاناة أطفال "أصل العرب"، لقد أقدمت هذه المرأة على توجيه صفعة صاعقة على خدِّ ما نعيشه مِن ازدواجية لطالما أرهقت كاهل الإنسان على اختلاف انتماءاته، بل ها هي تقدِّمُ دروسا في النبل والرقي.

أنجلينا كشفت بزيارتها لهؤلاء الفقراء المطحونين على أرض الجزيرة العربية زيف ونفاق كافة الممثلات والمغنيات العربيات اللائي أنهكن قلوبنا وصدعن عقولنا وهنَّ يشرحن لنا طرائق الوصول إلى الإنسانية والحرية وحتى الفردانية والارتقاء الحضاري، يبدو بأنَّ هذه الفئة من العربيات/المسلمات لم يعرفن الإنسانية سوى على مسارح الرقص أو بين قصور الأمراء، لأنَّهنَّ لم يقدِّمن شيئا ولو رمزيا تضامنا مع براءة شعوب بأكملها، وهي ليست بعيدة، بل هي بجوارها تماما.

هذا هو الغرب الذي أحبَّه ماركيز فراح يدافع عن النبلاء فيه بكلِّ ما يملك من طاقات، الغرب الذي أنجب أنجلينا جولي ومَن يتبنى الجانب الإنساني الذي ينهل منه هذه المرأة، قد نختلف معها في طريقة انتقائها للباسها، نوعية عطرها، أو حتى طريقتها في الحياة والعيش، لكن علينا أن نتبع نهج الأستاذ ماركيز الذي رفع قبعاته كلها لهذه الفتاة الغربية التي تناصر القضايا الإنسانية العادلة بالأفعال قبل الأقوال.

هناك دائما في مختلف العصور، الحضارات، الديانات، الثقافات والفلسفات أناس يبيعون أنفسهم لقاء مساندتهم للإنسانية النقية، هناك على الدوام أشخاصٌ يحملون في قلوبهم ذلك الإيمان الراسخ بوجود الإنسان مهما كان لونه، لسانه، اعتقاده وعقيدته، هُم يؤمنون بضرورة تحرير الأفراد مِن غطرسة الواقع والذوات بالمطلق، يقينهم هو الذي يقودهم إلى التضحية والبذل مِن أجل بلوغ مقاصدهم النبيلة.

لقد فهم الأستاذ ماركيز ما أقدمت عليه أنجلينا جولي لأنَّه على المسار ذاته، وهو الذي يدرك قبل غيره بأنَّ هذا الطريق مليء بالمتاعب، لأنَّ جنود البهتان أقوى بكثير من عزيمة النبلاء، وهُم أكثر عددا منهم أيضا، لكنَّ نقطة النور لطالما هزمت جيوش الظلمات ولو بعد حين.


ماركيز 38
03/05/2022

شاهَدَ ماركيز الدمار الهائل نتيجة تقاتل الجنس السلافي على شاشة سي أن ان (CNN) الأميركية، فعادت إلى ذاكرته صور أشلاء أطفال الصومال، العراق، سوريا، الجزائر، اليمن، لبنان وفلسطين كما أفغانستان، الكاميرات التي نقلت وتنقل دمار أراضي أوربا الشرقية هي ذاتها التي نقلت لنا أشلاء الأبرياء عبر العالَم، مِن بورما إلى القدس، لكنَّ الضمير العالَمي هذه المرَّة ها قد أظهر ضحالة ميزانه، ذلك الذي يصنِّفُ البشر حسب العقلية النازية التي ادعى هذا الغرب ذاته، أنَّه بريء مِن تصرفاتها: هل دماء السلافيين زرقاء بينما دماء أبناء غزة وجنين حمراء؟

لقد أحبَّ الأستاذ ماركيز العالَم الغربي وطريقته في معالجة المسائل الثقافية المختلفة، ولكنَّه وبقدر محبته له في الناحية الثقافية، قد كرهه في الناحية السياسية وحتى الاقتصادية، فهذان المجالان هُما ما جعل الإنسان الغربي كائنا امبريالي/احتلالي، لا يتوانَ أبدا في إظهار وجهه العنصري كلَّما وقعت مصالحه قيد المفاوضات أو الرهانات، هو يجعل القضايا الإنسانية في حُكم المؤجَّل، عندما تتعلق المسائل بالدولار أو الإبهار.

الجيوب والأرصدة المالية هي التي تحرِّك الآلات الدعائية والعسكرية، وما قامت به موسكو على أراضي "حواف المنطقة السلافية" يظهر ذلك بوضوح، لقد انهارت في طرفة عيْن كلُّ المقالات التي كانت تدعوا إلى الحرية، الأخوة والمساواة بين البشر، ليحلَّ محلَّها صوت يقول: هؤلاء أوربيون، مسيحيون، شعرهم أشقر وعيونهم زرقاء، ولهذه المواصفات علينا احتضانهم، هكذا دوَّت الأصوات التي خرجت من حناجر المراسلين والمذيعين خلال غزوة السلاف لأراضي أجدادهم.

لا يتركُ الإنسانُ الغربي فرصة تمر، دون أن يستغلها ليؤكِّدَ على غطرسته وهوله بالقوَّة التي يمتلكها منذ سقوط غرناطة سنة 1492م، وصولا إلى القرن الواحد والعشرين، هذه العقلية التي تعمل بكافة الوسائل المتاحة لترسيخ صورة التفوُّق الغربي أمام بقية شعوب الأرض، هي ذاتها العقلية التي غزى بها غوبلز عقول العالَم، وهي العقلية ذاتها التي غزت بها اسبارطة بقية المُدُن، وهي العقلية نفسها التي جعلت أبناء الفرنسيس يتعالون على الجزائريين والفيتناميين حتى موعد كتابة هذه الأسطر.

الصورة واضحة أمام عيون ماركيز للمرة الأولى منذ غزو بلاد ما بين النهريْن سنة 2003م مِن طرف جيوش الشركات المتعددة الجنسيات وتحت ستار أحد أحفاد رعاة البقر انطلاقا مِن المكتب البيضوي، هي تلك الصورة التي رفعت جنكزخان إلى مصاف العظماء ورسمت أساطير أخيل وعنترة بن شداد على صخور الأذهان منذ أمد بعيد، لقد تغيَّرت وسائل الإنسان بانقلاب الأزمان، لكنَّ التكتيكات بقية هي عينها، وتلك المشاعر الدفينة في أوحال حقوق الإنسان وسيادة القانون ها هي تنكسر أمام عقلية الجشع التي عرفناها عبر القيصر يوليوس ونابوليونِ بونابارت.

نعم! هي الحرب إذن، لا أخلاق فيها ولا معنى فيها للضعيف، لغتها واضحة: سأسحقكَ قدر ما أستطيع، حتى ولو كنتَ ذا بشرة بيضاء مثلي، عيون زرقاء كعيوني، وتتحدث اللغة ذاتها، لغة الأسلاف.

لقد قتل قابيل أخاه هابيل مِن قبل، ورمى أبناء يعقوب أخاهم يوسف في الجب، لقد تآمرت قريش على قريشيٍّ مثلهم مِن قبيلة بني هاشم، وعملوا على قتله حتى تتوزع دماءه على القبائل العربية كلِّها، لقد تحارب اليابانيون فيما بينهم، الصينيون كذلك، الإيطاليون، الألمان، الأميركيين.... الخ، الحرب مكتوبة على صفحات أقدار البشر، هي عملية موسمية لا تطول، وهي سرعان ما ترحل مخلفة خلفها وضوحا يلفه الصمت الرهيب، إلى جانب أعداد هائلة مِن الضحايا، الأيتام، الثكالى، المصابين والشهداء مِن الطرفيْن المتصارعيْن، لأنَّ الثابت في كافة الحروب منذ فجر التاريخ، أنها بلا منتصر ولا خاسر، رغم إصرار غرور البشر على العكس.


ماركيز 29
01/29/2022

يشرح نيتشه في كتابه "الفجر" مصطلح الاستلاب الذاتي، وكيف أنَّ الفرد الإنساني يقع ضحية جملة مِن المفاهيم المتناقضة، تلك التي اخترعت لتنعم النفس بالهدوء، وإذا بها تُوظَّفُ بشكل يجعلها تقمع كلَّ هدوء يصيب الإنسان؛ فعلا! يرى ماركيز بأنَّ هناك ما يقلب المفاهيم لأجل تعاسة الإنسان، لأجل الاستمتاع بتنغيص أيَّام الآخرين تحت شعارات كثيرة تجتمع في رؤيا واحدة وهي: إظهار الذكاء.

هناك ما يسميه ماركيز بالثقافة الضحلة (the dirty culture)، هي طريقة في التقليد البائس، لأنَّها تجعل المنتمي إليها يقوم بكافة المنكرات في حقِّ ذاته وغيره مِن أجل الظهور بثوب العالِم الجليل أو الداهية الفذ، وهي طريقة من طرائق كثيرة، تدمِّر الأقربين إلى هذا الجبان، قبل أن تدمِّر ذاته المسلوبة منه منذ البداية.

الجلوس إلى جماعة ورمي الرموز كما بعثرة الأفكار الموجَّهة قبليا، والايحاء قبل دفع بعض الأغبياء إلى مهاجمة أهدافي دون أن أظهر أنا كمنافس أو أبقى مختفيا في الظلام، فهذا لا يسميه ماركيز ذكاء، بل هي خساسة، ترفع من منسوب البؤس في الأنفس، ولا تجعل صاحبها في موقف القوَّة، بل يضعه في خانة المساكين.

متعة ماركيز عندما يجالس غبيا يدَّعي الدهاء، هذا الادِّعاء يجعل صاحبه يكشف عن كل ما كان يخفيه تحت ستار "المحبة" ليظهر كلَّ فضلاته بشكل كامل، وهي طريقة تجعل ماركيز يتأكَّد كلَّ مرَّة مِن أنَّه يصارع قراصنة مِن أبشع ما أوجدته الحياة على الإطلاق، لأنَّ منسوب البؤس عالي جدا لديْهم للأسف.

ماركيز أيُّها الغريب بين "أهله" وناسه، هؤلاء البؤساء الذين أوغلوا في بؤسهم حتى اعتقدوا بأنَّ الحياة لم تنجب المَرَح والفرح إلاَّ على طريقتهم البائسة/اليائسة، لقد صارت الحياة لديْهم محصورة في تلك التصوُّرات المسوَّسة التي ورثوها عن الجهلة الذين سبقوهم، وها هم يتمسكون بها حتى آخر لحظاتهم في هذه الحياة.

الضياع مصير كئيب، والغباء أشدُّ النتائج عجرفة، بينما حالة الجهل بالغباء أمر يجعل صاحبه في حُكم المنفى الطوعي، أين تنتهي الحياة إلى صندوق مظلم ومغلق بإحكام، الأمر في غاية الخطورة، ففي الوقت التي تصدر الكثير من الدراسات التي تفسِّر وتشرح الجهل المركَّب، فإنَّ الغباء المركَّب لا أِحد ينتبه إليه، ذلك الذي يسميه ماركيز بالثقافة الضحلة.

قد يسأل سائل: ما معنى الثقافة الضحلة؟

هذا النوع من الثقافة هي مجموعة مِن الثوابت التي تأخذ صيغة اليقين، يرثها الفرد مِن الذين سبقوه، لكنها لا تملك أداة تحريك الأفكار، بل هي تهاجم كلَّ مَن يجرؤ على التفكير، وبهذه الطريقة نجد أنفسنا كما وجد ماركيز نفسه سابقا، أمام كائنات تشبه البشر، تقلِّد في تصرفاتها كلَّ ما يجعلها تفسد في الأرض، ومِن ناحية أخرى تعمل على تخريب كلِّ ما يبدو لها جميلا، لتشعر بوجودها فقط، وكثيرا مِن الأحيان، هي تكتفي بتأليف الكذب والإشاعات، أو تتبع عثرات "الخصوم" لتنتهز أقرب فرصة لتنبيههم بأنَّها على دراية بهذا الجميل الذي يصنعونه "سرا"، بينما هي في الأصل كتلة من الأحقاد تنفث خرابها في كافة الاتجاهات.

حسب ماركيز فإنَّ المنتمين إلى هذا النوع من الثقافة، يعيشون معذبين قبل غيرهم، فهُم لا يعيشون حياتهم الخاصة، لأنَّهم وببساطة يقضون أوقاتهم في حراسة غيرهم، وتتبع عثراتهم أو ما تبدوا لهم أخطاء، وبذلك هُم يضيِّعون فرص العيش مقابل سخافات وتفاهات لا مجال لرصدها، لأنَّها لا تستحق ذلك.

شفاء هؤلاء يكون بالرجوع إلى ذواتهم المسلوبة، فعندما تراقب أحدهم ثمَّ تدفع طرفا ثالثا لتنبيهه بأنَّك تراقبه، فأنتَ عمليا مِن عبيد هذا الذي يبدو لكَ أذكى منك وأنت تعمل على إظهاره بمظهر الغبي، وستبقى من عبيده إلى أن تقرر الابتعاد عن هذه اللعبة التي لن تنفعك لا أموالك في الفوز بها، ولا نشاطك الغبي في ذلك، لأنَّك لست أنت من يصنع الحدث، بل هو، أيها الغبي!


https://instagram.com/msmezouar 


ماركيز 28
01/28/2022

العداوة التي يحملها نيتشه للأخلاق واضحة جدا، لا أفهم السبب، ولا نيتشه يقدِّمُ مبررات كافية لهذه العداوة الرهيبة والجليَّة، ولكنه يشرح بكثير من الاسترسال بأنَّ هناك نصوصا كثيرة كتبها وهو جالس على السواحل الإيطالية، تذكر عداوته الشديدة للأخلاق على اختلافها، بل أحيانا يوضِّحُ عداوته الساطعة للأخلاق المسيحية، وله أعذاره طبعا، لكن سؤال الأخلاق لا يزال يدفع ماركيز للتفكير بعمق، ولا يزال مبهما أمام الرؤى الجادة، كما اعتقد بأنَّه سيبقى مبهما رغم أنَّ أغلب القراصنة يعتقدون بأنَّه واضح جدا.

لقد تمَّ بناء المنظومة الأخلاقية على الثواب المعنوي والعقاب المادي، وهي ثنائية عجيبة في تركيبتها، متماسكة في مكوناتها، قابلة للتدوير إن ما أعدنا ربطها بالواجب وكيفية أدائه عبر آلية الالتزام الذاتي ووفق الإقبال الطوعي، ولها مبرراتها الكافية في هذا الشأن، أغلبها دينية والباقي هو مستمدٌ مِن الأفعال الوازنة في التنظيم الذي يحكم الجماعة أو الثقافة بشكل كامل.

لقد أوضح نيتشه بأنَّ الأخلاق لا يكون سوى للعبيد في أكثر من محطة له، وقد شرح بأنَّ هناك نوع من الأخلاق هو خاص بالسادة، ولا يمكن للعبيد الأخذ به، بينما من نواحي أخرى نجده يربط الفعل الأخلاقي والحرص عليه هو ضمن قائمة الجبناء، وهي طريقة تضع المنظومة الأخلاقية من حيث الوجود والتأثير ضمن الإطار التساؤلي الذي يعيد طرح مبدأ التمسك بها أمام البحث والعودة إلى فرضيات اعتقد الإنسان أنَّه تخلص منها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

ماركيز ألهمته هذه الفكرة عندما واجه التيار البراغماتي العنيد، وهو تيار يعتبر الأخلاق زينة يفتتن بها الأغبياء فقط، إذ الكلمة العليا في الحياة ليس الجانب الروحي وإنَّما الجانب الواقعي القائم على الأرباح والخسائر، ومهما كانت الفكرة، فإن لم تكن نافعة للإنسان فهي عالة عليه، وبهذا فإنَّ أسس المنظومة الأخلاقية بهذه النظرة تصبه أعباء تثقل وتقلق راحة الإنسان بلا فائدة.

على الضفة المقابلة وهي الجهة الأكثر تأثيرا على الإنسان المعاصر، نجد بأنَّ الديانات، الفلسفات والثقافات تتجنَّد أمام المنظومة المادية/الواقعية لحماية المبادئ الأخلاقية والتي ترعى بشكل واضح المسائل الروحية التي تستقي وجودها من العوالم التي لا يمكن للإنسان إثبات وجودها كما لا يمكنه إثبات عدم وجودها أيضا، وبهذا يصبح العقل تابعا في هذه المسألة، ليحلَّ محله الحدس والايمان على فترات ووفق درجات تختلف باختلاف الملفات المطروحة على طاولة النقاش.

لو استعملنا المنهج التحليلي الواضح المعالِم، يصبح الإنسان كائنا أخلاقيا وروحيا مشبعا بالأخلاق كمنظومة وكيان، وهذا ما تثبته الأرقام قبل الحسابات الأيديولوجية التي غالبا ما تكون ضيقة الآفاق، لو ألقينا نظرة سريعة على عدد أتباع الديانات عبر مختلف أنحاء العالَم، سنجد بشكل مبهر بأنَّ الأغلبية الساحقة هُم من المؤمنين أو من أتباع هذا الدين أو ذاك، بل إنَّ هناك الكثير من الفرق والجماعات الروحية التي تتبنى المنظومة الأخلاقية أو جزء منها كمناهج وقوانين يفرضون احترامها على كلِّ المنتسبين إليها أو المتعاطفين معها.

كافة دساتير الأرض ومعظم الأفكار خرجت مِن المعابد، فلا يمكن للإنسان أن ينفي الدور الروحي في الحياة، حتى المؤسسات التي تحارب الجانب الروحي نجد أنَّ شعاراتها ومبادئها روحية تماما، ولنا في المثال الفرنسي أوضح الأمثلة، ففي الوقت الذي نجد أحد المسؤولين الفرنسيين يقف في مواجهة الكاميرات والشاشات مشيدا بالعلمانية واللائكية وما إلى ذلك من الشعارات المضادة للديانات، فإنَّنا لو تأمَّلنا المحيط الذي يقف في قلبه ذلك المسؤول – البائس/اليائس – سنلاحظ شعار الجمهورية الفرنسية الواضح خلفه: الحرية، الإخاء والمساواة، وهي أفكار تخرج من كافة معابد الأرض ومساجدها، لكن للغرور غطرسة لا تجدي معه مراهم العالَم كلِّه للأسف.


ماركيز – 18
12/22/2021

هناك صفات لا يكون القرصانُ قرصانًا سوى بالتحلِّي بها، وهي الخيانة، الكذب والفجور؛ وعليه فإنَّ الجنَّة ما وراء البحر التي تعجُّ بالقراصنة، هي أرض مملوءة مِن بابها لمزرابها بالخونة والكذّابين والكاذبين إضافة إلى الفاجرين، وهذا بالضبط ما يراه ماركيز في كلِّ ثانية مِن حياته على هذه الأرض دون غيرها.

صادف ماركيز أثناء دراسته للثقافات الكثير من المفكِّرين الذين حاولوا التنظير للمثالية، على أنَّها مصدر العَدَم قبل أن تكون مصدرا للتواجد والموجود على سبيل سواء، وهذا ما جعله يضع صفات القراصنة هذه في ميزان هذه المثاليات، لعلَّه يستنبط منها ما يجعله يفسِّر الكثير مِن الصفات الناتجة عن هذه الثلاثية المهترئة، تلك الصفات التي تتخذ مِن الأنانية قِبلَة وإماما، وعليه فإنَّ "المثالية التي أفهمها على أنَّها مثالية مادية هي النظرية التي توضح أنَّ وجود الموضوعات في المكان خارجيا إمَّا أنَّه موضع شكٍّ، ومِن ثمَّ لا يمكن البرهنة عليه، وإما أنه كاذب ومحال، المثالية الأولى هي مثالية ديكارت، والمثالية الثانية مثالية باركلي الدوغما-طيقية، التي تعلن أنَّ المكان وكلَّ الأشياء التي يكون المكان شرطًا لها ينفصل عنها هي أمر مستحيل في ذاته؛ ومن ثمَّ فإنَّ الأشياء في المكان تصبح مجرَّدَ خيالات" (كانط، نقد العقل المحض، الطبعة الألمانية، ص: 416).

إذن فإنَّ ماركيز لم يجانب الصواب ولا المقبول عندما وضع القرصان كجوهر سخيف مملوء بالتفاهات التي تقوم على أساسات الخيانة، الكذب والفجور، وهي صفات تقودها الأنانية إلى نهاية هذه الكيانات السرطانية على شواطئ البحر المتوسط، مع أنَّه يعلم مسبقا أنَّ لكلِّ واقعة توقيتها المضبوط، بينما تبقى للطبيعة قوانينها الصارمة دائما، تلك التي لا يستطيع أيُّ قرصانٍ خرقها، مهما بلغ مِن المكر والجبروت، ولا حتى ماركيز نفسه قادر على القفز فوق سياقات التاريخ وأحكام البيولوجيا.

العودة إلى المثالية لدى القراصنة هي مِن وحي الخيال الذي ينشأ في أوربا ويلقي بفضلاته على شمال أفريقيا، حتى يتعفَّن الجوُّ الثقافي فيقوم بخنق المعطى الأخلاقي بروائحه النتنة، وهذا بالذات ما يحدث على هذه الأرض، فقد مات الفعل الإنساني إن لم يصبح نادرا، وتمَّ استبداله بالحيوانية الغريزية بشكل سافر، وهو ما نتج عنه قلبٌ تام لكافة الأنظمة العُرفية، حتى صار الأمر محكوما بالمزاج الذي يسيِّر زعماء القراصنة وكافة البسطاء منهم، تحت شعارات مختلفة لكنَّها تدور في فَلَك السخافة المفرطة والواضحة للجميع.

ما يخرجُ مِن الحقول المغلقة بشكل كامل، سيكون بطريقة حتمية خاضعًا لشروط هذا المغلق، وهذا ما يحتِّم على طالبي الانفتاح مِن إخوان ماركيز وزملائه من طائفة النبلاء، أن يبذلوا جهودا أكبر حتى يصلوا إلى مستوى الصفر، وبالتالي يأخذوا كافة التوجهات الناتجة عن تلك الصفات السالفة الذكر، بعين الاعتبار أثناء تخطيطهم لما هو قادم، وهذا ما يحدِث ذلك الشرخ بين النبلاء والقراصنة، مكوِّنا صراعا يبدو خالدا بين جانبيْن متناقضيْن إلى درجة التضاد والتنافر.

ماركيز يصون الأمانة، ويحمل صفة الاستحياء في روحه، هو لا يزال حتى عقده الثالث من العمر يشعر بارتفاع حرارته واحمرار وجهه عند وقوعه في مواقف محرجة، كما أنَّه أبعد ما يكون عن الفجور سواء في لحظات غضبه النادرة، أو في فترات استيائه الكثيرة، إضافة إلى هذا، أشدُّ ما يمقت على وجه البسيطة هو كلُّ ما له علاقة بالكذب ومشتقات هذا الفعل الذي يعتبره الأستاذ ماركيز السبب الأساسي في خراب أرض القراصنة.

هذه المعطيات تشرح سبب عدم إمكانية تصنيف ماركيز في خانة القراصنة، رغم ولادته على أرض الجنَّة ما وراء البحر، ونبوغه بين أبنائها القراصنة، فمعدن النُّبلاءِ لا يتبدَّل ولا يتحوَّل، مَثَله في ذلك كمثل الأحجار الكريمة الثمينة.


ماركيز – 13
12/02/2021

يومٌ خريفيٌّ ممطر، يجلس ماركيز مع زميل له إلى طاولة الغداء، وأخذ يأكل بشراهة شطائر البيتزا على الطريقة الإغريقية القديمة، بينما راح ذلك الزميل الممتع والمرح، يسرد على مسامعه حكايات عن طرائف تواجههم معا في العمل، لأنَّه مِن الصَّعب أن تكون أستاذا في مدرسة للقراصنة، زعيمها قرصان بعَصابة سوداء، وصغارها كلّهم هُم أبناء القراصنة الأوفياء لجنسهم المقدَّس.

أمضى ماركيز وقت الظهيرة وهو يسامر زميله، وبينما كانا يتحدثان عن مواضيع من كثرة تكرارها في الحياة على أرض القراصنة، قد صارت مستهلكة حدَّ الملل، تحدثا عن العمل، الزواج وبعض المغامرات المضحكة، والممتعة حدَّ المجون، لطالما أسعدت هذه الجلسات الأستاذ ماركيز، لأنَّها تجعله يلبي نداء عميقا في ذاته، ويعيش لحظات جميلة في واقعه، رغم معرفته التامة بها، إلاَّ أنَّه يرغب أحيانا في اكتشافها من جديد.

بعدها استقلّ ماركيز سيارة زميله الفرنسية الصنع، وواصلا الحديث حتى موعد افتراقهما عند المحطة البرية للمدينة، أين نزل ماركيز بعدما ودَّع زميله بحرارة، وتوجه لركوب حافلة العودة إلى منزله الريفي الجميل، أين تنام الأفكار ويصحو الضمير، أين تغازل المعاني آخر جنود الفكر وترتفع المفاجآت إلى أقصى مستويات التفكير، هناك أين يجد ماركيز، كوب قهوة، سيجارته والكثير من الحكايات ليرويها لحاسوبه المحمول، أو هاتفه الجوَّال، فتنتقل إلى أقصى أقاصي المعمورة.

بعد وصوله إلى المنزل تحت وابل من الأمطار الغزيرة، وجلوسه للسمر مع والديْه وأخته الصغرى، غزا ماركيز عالَمه مجددا، أخذ حماما ساخنا، وأدَّى واجبه الديني قبل أن ينهمك في كتابة أسطره الأسبوعية، لعلَّه يتمكَّن من إفراغ تلك الشحنات السلبية التي علقت بذهنه طيلة أسبوع من الزمن، شحنات اختلط فيها الاجتماعي بالثقافي، التربوي بالتعليمي، الأسلوب الراقي بالأساليب الماجنة، كلُّ هذا جعل ماركيز حذرا للغاية، ينساب كما تنساب الأفعى السوداء بين القش في ليلة ظلماء.

يُعلي ماركيز قيمة الوالديْن بشكل كبير، يرفع قيمتهم في خاطره لمستويات لا مجال لحدِّها، يرفعهم غالبا إلى مراتب القداسة، لأنَّه يعلم علم اليقين، بأنَّ ما قدَّماه له يتجاوز كلَّ تقدير، والتضحيات التي قدَّماها من أجله تفوق الوصف، لهذا نجد أنَّ الأستاذ ماركيز هو مجرَّد طفل "كبير" الحجم في حضرة أمِّه وأبيه، يصبح مجرَّدًا من كلِّ الألقاب في حضور والدته، كما أنَّه يصير مخبولا مغلوبا على أمره عندما يوجِّه أبوه الحديث له، وهي قيم رائعة من القيم الثمينة التي احتفظ بها ماركيز في داخله بعناية.

وكما للوالديْن قيمة عالية في حياة هذا الفيلسوف اللاتيني على أرض القراصنة، والمسمى بماركيز، فإنَّ للعائلة وهج الرِّفعة أيضا، إذْ لطالما ردَّد بأنَّه غير قادر على الوقوف في وجه إجماع العائلة على رأي ما أو قرار معيَّن، بل إنَّه دائما ما يفضِّل هجرته إلى أراض غريبة عنه، فقط حتى يتجنَّب الاصطدام بعائلته، إن ما هو اضطر لفعل ذلك، وهي قيمة لا تصدر سوى عن ابن بارٍّ لسلالة النبلاء الشرفاء.

هذه المواصفات هي نتيجة طبيعية لفتى مثل ماركيز، ولد على الجنَّة ما وراء البحر، ونما وترعرع بين جنبات وأحراش أرض تكسر الأيقونات كما يكسر المنشار الجليد، كما أنَّه من سلالة الهنود الحمر، السكان الأصليين لأرض القراصنة، فكيف لا يتخذ من العائلة ملجأ ومِن الوالديْن مستقرات ومفاصل لعمليات حياته الحاسمة، هنا وفي هذه المواضيع فقط، تظهر طينة الرجال الفعلية، أين يجدُّ الجد، وتسرد أجمل الحسناوات أحلى الحكايات على مسامع الأجيال والأزمان، فتقول لهم: كان هناك رجُلٌ يدعى ماركيز، لم يحترم أيَّ فرد كما احترم العائلة، ولم يقدِّس أحدا كما قدَّس والديْه، ولم يرفع من شأن مخلوق، كما رفع مِن شأن نفسه، هنا ولد أوَّل وآخر بني الإنسان، الذي قدَّم القربان للإيمان... هنا ماركيز!


Hoc est simplicissimum - 02
11/23/2021

When anyone thinks! This is a great honour to him, because the philosophy is a good food to human spirit. The philosophical idea is so important to individual, because it open all new doors for him. I know that speech about the philosophy is so difficult at Arab lands, but I know also that any human can make his way by his special philosophy of life.

Everyone was born with a mind, in some cases! The human being can lose his capacity of thought, but it is not a raison to keep silence for the domination in...


Hoc est simplicissimum - 01
11/16/2021

When anyone thinks! This is a great honour to him, because the philosophy is a good food to human spirit. The philosophical idea is so important to individual, because it open all new doors for him. I know that speech about the philosophy is so difficult at Arab lands, but I know also that any human can make his way by his special philosophy of life.

Everyone was born with a mind, in some cases! The human being can lose his capacity of thought, but it is not a raison to keep silence for the domination in...


The limits of human freedom - the big question
07/10/2021

When anyone thinks! This is a great honour to him, because the philosophy is a good food to human spirit. The philosophical idea is so important to individual, because it open all new doors for him. I know that speech about the philosophy is so difficult at Arab lands, but I know also that any human can make his way by his special philosophy of life.

Everyone was born with a mind, in some cases! The human being can lose his capacity of thought, but it is not a raison to keep silence for the domination in...


That's point - the big question
07/03/2021

When anyone thinks! This is a great honour to him, because the philosophy is a good food to human spirit. The philosophical idea is so important to individual, because it open all new doors for him. I know that speech about the philosophy is so difficult at Arab lands, but I know also that any human can make his way by his special philosophy of life.

Everyone was born with a mind, in some cases! The human being can lose his capacity of thought, but it is not a raison to keep silence for the domination in...